رغبة من مدونتنا محيط المعرفة في إلقاء الضوء على مزيد من الفلسفات المؤثرة على مجريات العصر الحديث.
وبعد أن عرجنا على الفلسفة الداروينية وتأثيرها الجوهري اليوم ساتحدث عن الفلسفة الوجودية التي كان لها وقع كبير على ثقافتنا خلال السنوات 50 الأخيرة,وتعود إلى ق 19 ويمكن تصنيفها إلي الوجودية المسيحية التي حاولت إيجاد توليفة مع الكنيسة واللاهوت ,والفلسفة الوجودية الإلحادية التي سنتناولها بالشرح في موضوعنا اليوم.
Friedrich Nietzsche الكثيرمنكم سمع بهذه الشخصية الغريبة ,والذي اشتهر بقولة "إن الله مات" ولد سنة 1844م وتوفي سنة 1900م وأصيب بالجنون وأمضى 11 سنة الأخيرة من عمره في مصح عقلي .درس نيتشه التاريخ كما درس ثقافة القرن 19,وبدأ يتذمر من الخصائص الرئيسية للثقافة الأروبية التي وصفها بالمنحطة ,ويعني بالانحطاط الناتج عن التأثير السلبي للكنيسة المسيحية ,لأنه يرى أنها وضعت بعض القيم التي اقتنع أن من شأنها تقويض وتدمير الروح البشرية كالرحمة والشفقة لأنهاتغرس ضعفا داخل الناس وتجعلهم يعيشون بطريقة غافلة وغير مبدعة ,والتي يرى أنها تعيق النمو الأساسي للروح البشرية وتقضي على ما يسميه الوجوديون "الوجود البشري الأصيل"لاحظ نيتشه أن الترياق الضروري لبقاء الحضارة الغربية وبلوغ امكاناتها القصوى هو التخلص من الأديان العاطفية,التي تعمي الناس عن الواقع البشري الحقيقي .يعتبر نيتشه المؤسس الحديث للعدمية والتي تفيد بعدم وجود حقائق أبدية ولا هدف أبدي ولا وجود لمعنى أومغزى مطلق للوجود البشري وفي نهاية المطاف كل ما نصادفه هو ما أسماه ب"تفاهة اللامعنى"لا يوجد إله وبما أن لله غير موجود لا يوجد معنى مطلق للحياة البشرية هذا هو المقصود بالعدمية أو تفاهة الاختبار البشري.وبعد أن عرجنا على الفلسفة الداروينية وتأثيرها الجوهري اليوم ساتحدث عن الفلسفة الوجودية التي كان لها وقع كبير على ثقافتنا خلال السنوات 50 الأخيرة,وتعود إلى ق 19 ويمكن تصنيفها إلي الوجودية المسيحية التي حاولت إيجاد توليفة مع الكنيسة واللاهوت ,والفلسفة الوجودية الإلحادية التي سنتناولها بالشرح في موضوعنا اليوم.
تكونت نظرياته الفكرية في أيام الدراسة الجامعية وأيد حينها منهجا للوجود يدعى "البطولة البيولوجية" الذي لخصه في كتابه "هكذا قال زارادشت" وزاردشت كان ينسب إليه أنه نبي ذلك العصر الذي أعلن موت الإله ,وصف نيتشه حدوث الأمر على مرحلتين وقال بسخرية " كان يوجد آلهة كثيرة ذكورا وإناثا ,وقال أنه ما تسبب بموت بقية الآلهة ومهد الطريق للايمان بإله واحد ,كان وقوف هذا الإله اليهودي وسط بقية الآلهة وإعلانه أنه الإله الأوحد وبعد هذا الإعلان الشنيع بتفرده بالألوهية ,انفجرت الآلهة الأخرى ضحكا حتى الموت.ولم يبق إلا إله واحد هو يهوه,وبالطبع استسلم هذا الإله لاحقا للمرض الخبيث المميث,أي أن ما قتل الله على حد تعبيره هي الشفقة,مات جراء هذا الضعف نفسه الذي انتقل إلى الثقافة الغربية .وللتخلص من ذلك يجب خلق يشرية وجودية جديدة مبنية على البطولة البيولوجية.
لقد تأثر أدولف هتلر بفلسفة نيتشة وأسقطها على الشعب الألماني بوصفه أرقى الشعوب بيولوجيا وأرسل نسخا من أعمال نيتشه إلى جميع أصدقائه وأنصاره المقربين.لأنه كان مقتنعا أنه وجد لدى نيتشه مبررا لابتكار نظام عالمي جديد يستدعي تفوق جنس بشري على بقية الأجناس.كما تحدث نيتشه عن الإنسان السوبرمان "super man" ولفهم هذا الأمر يجب أن نفهم أمرا يتعلقا بالأنتروبولوجيا الخاصة به ,كان نيتشه متأثرا بما يعرف بالطوعية حيث أن الإرادة والقدرة على اتخاد القرارات هي التي تميز البشر عن الحيوانات وقال أن أبرز سمة لدى البشر تكمن في رغبتنا الطبيعية والفطرية في الوصول إلى السلطة ,وليس هذا مجرد توق إلى تحقيق الأهمية أواضفاء معنى على الحياة بل الرغبة في السيطرة المطلقة,ونذكر على سبيل المثال لعبة "ملك التل"حيث يتنافس مجموعة من الأطفال على من يبقى أعلى التلة ويمنع الآخرين من ازاحته من فوقها,وهذا اظهار صبياني للألعاب التي يلعبها الكبار ,كالتنافسية التي تظهرها كبرى الشركات والحكومات الكل يريد التفرد بالسلطة والسيطرة على الجميع.وهذا يؤدي إلى شن الحروب والتنافس الاقتصادي ,لا يعتير نيتشه الأمر سيئا إن هذا ما نفعله جميعا كبشر لكن الأمر المخجل هو شعور المرء بالضعف وعدم الأمان وعدم مهاجمته للتل ,لأن انحطاط الإنسان المعاصر سببه الجبن والخوف وافتقاره لفضيلة الشجاعة .
حيث يرى نيتشه التأثير السلبي للدين الذي يسحق الروح البشرية الطبيعية حسب زعمه كما أن المجتمع والعادات يظهران ما أسماه "أخلاقيات القطيع" فالناس مستعبدون باتباعهم الأعراف والتقاليد المجتمعية ويخشون الخروج عن المألوف مثل قطيع غنم مغفل يجولون ويفعلون أي أمر يتوقعه أقرانهم,هذا أيضا يسحق الروح البشرية .
قد تتساءلون لماذا بذل كل هذا الجهد للتوصل إلى ولادة إنسان متفوق ينشئ نظاما عالميا جديدا وولادة جديدة للبشرية بعيدا عن الدين والمعنى والهدف ؟من منظوره لا وجود للخطيئة والفضيلة ولا وجود للصواب والخطأ في نهاية المطاف ,إن كان هذا الحال فحتى ممارسة المرء ارادته للوصول إلى السلطة ,تكون في نهاية المطاف عملا عقيما وعديم الجدوى ,نيتشه لا يختلف معنا حول هذه النقطة قال صحيح هذا تناقظ لكن ماذا إذن ؟هذا هراء ومناف للمنطق لكن لا يهم فإن كانت هناك فضيلة واحدة فهي فضيلة الشجاعة ,أن تتصرفوا بشحاعة لكن نتائج وثمرة عملكم الشجاع في النهاية عديمة المعنى لكن اقبلوا الأمر على أي حال ,لأن ممارسة الوصول إلى السلطة هو كل ما لديكم .
ووصف إنسانه المتفوق البطل الوجودي "هوالذي يقود سفنه في بحار مجهولة,ويبني بيته على منحدرات جبل فيزوف " والمعروف أن فيزوف هو بركان ناشط ويقصد من خلال كلامه الاستخفاف بقوى الطبيعة المجهولة والعمياء وبما يمكن أن تسميه القدر ,ويدعي أن الإنسان الذي يحمل مصيره بيده ليس خاضعا لقيم أوأعراف أوقوانين لكنه يحمل الشجاعة ليخلق قيمه الخاصة ويعيش وفق قواعده الخاصة,وهذا كله بسبب اقتناعه بالنظرة الدورية للتاريخ وأسماه بأسطورة التكرار الأبدي .نحن كمسلمون نرى أن التاريخ يسير وفق إرادة الله ونعلم يقينا أنه سينتهي بانتصار الخير أي أن نظرتنا تتميز بوجود نقطة اكتمال تفاؤلية ,لكن اسطورة التكرار تفيد بأن التاريخ ليس له بداية محددة وهو لا يتجه نحو مصير هادف محدد ,بل يدور ويدور إلى الأبد ضمن حلقة تبدأ بالعدم وتنتهي بالعدم ولا تتجه إلى أي مكان.
وفي السنوات الأخيرة من حياته وهوفي المصح العقلي أخدت أخته تبيع للناس الراغبين في رؤيته بطاقات لزيارته ,لأن أخاها كان مشهورا وهي استغلت شهرته وجنونه ومارست ارادتها الخاصة للوصول إلى السلطة.
المصدر :كتاب "هكذا قال زاردشت"
إرسال تعليق