القرآن يفصل في قضية نهاية الكون
قراءنا الأوفياء سلام الله عليكمعدت إليكم هذه المرة بمقالة لعالمنا الجليل زغلول النجاريتحدث فيها بأسلوبه الراقي عن معضلة من المعضلات التي تؤرق علماء الفيزياء الكونية، وتتضارب فيها الأقوال والنظريات ألا وهي نهاية الكون، فنجد فريق يساند نظرية الانسحاق العظيم وآخرون يقفون إلى جانب نظرية التمدد المستمر حتى يتمزق كل ماهو موجود من مجرات وكواكب ونجوم وحتى البروتونات والنوترونات في قلب الدرة تتلاشى والفريق الثالث يؤيد نظرية الموت البارد حيث تنطفئ جدوة النجوم بعد استنفاذ طاقتها ويعم السكون المطلق.
القرآن يفصل في قضية نهاية الكون |
وھذا الحدیث الشریف ینطلق من معنى الآیة الكریمة:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر:67]والحدیث الشریف ینطلق أیضًا من معنى آیة كریمة أخرى یقول فیھا ربنا تبارك وتعالى:
" يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104].
ومع تسلـیمنا بطلاقة القدرة الإلھیة التي لا تحدھا حدود، ولا یقف دون إرادتھا حائل، ومع إیماننا بأن قضایا الخلق والإفناء وإعادة الخلق (البعث) من قضایا الغیب المطلق التي لا یمكن للإنسان أن یصل فیھا إلى تصور صحیح بغیر ھدایة ربانیة، فإننا نقرر إمكانیة الارتقاء بإحدى النظریات المطروحة لتفسیر خلق الكون إلى مقام الحقیقة لمجرد وجود إشارات لھا في كتاب ﷲ أو في حدیث صحیح مروي عن رسول ﷲ صلى ﷲ علیه وسلم، ونكون بذلك قد انتصرنا بالقرآن أو بالسنة النبویة الشریفة للعلم، ولیس العكس.
أما في حالة الآخرة فإننا نؤمن بأن لھا من القوانین والسنن ما یغایر سنن الدنیا؛ لأن سنن الدنیا تمشي ببطء، حتى یتمكن الإنسان من إدراكھا، والتعرف علیھا، وتوظیفھا في عمارة الأرض، أما الآخرة فلا تأتي إلا بغتة كما جاء في القرآن الكریم، ولكن من رحمة ﷲ بنا أن یبقى لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء من الشواھد الحسیة ما یعیننا على فھم إمكانیة وقوع أحداث الآخرة، ومن ذلك طي السماوات الذي أشار إلیه حدیث رسول ﷲ صلى ﷲ علیه وسلم الذي نحن بصدده، وأشار إلیه القرآن الكریم.
ففي مطلع القرن العشرین بدأ الفلكیون في ملاحظة توسع الكون بمعنى تباعد المجرات عن بعضھا البعض تباعدًا بسرعات تقترب أحیاناً من سرعة الضوء المقدرة بحوالي ثلاثمائة ألف كیلو متر في الثانیة، وأثارت الملاحظة جدلاً كبیرًا حتى تم التسلیم بھا في منتصف القرن العشرین، ووصل العلماء من الرجوع بعملیة اتساع الكون إلى الوراء مع الزمن إلى حتمیة التقاء كل المادة والطاقة، وكل المكان والزمان في نقطة واحدة متناھیة الضآلة في الحجم، ومتناھیة الضخامة في الكتلة وكمیة الطاقة، وقالوا بحتمیة انفجار تلك النقطة في ظاھرة یسمونھا عملیة الانفجار العظیم نؤمن بھا لورود إشارة لھا في قول الحق تبارك وتعالى:
" أوَ لمْ یرَ الَّذِینَ كَفرُوا أ َّنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ كَانتَاَ رَتْقاً ففَتَقَناَھمَا وَجَعَلْناَ مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي أفَلَاَ یؤُمِنوُنَ " (الأنبیاء: 30)
كذلك ثار جدل طویل حول عملیة توسع الكون ھل ھي عملیة مستمرة إلى ما لا نھایة، أم أن لھا نھایة تتوقف عندھا فتتغلب الجاذبیة على مادة وطاقة الكون فتطوي السماء، وتجمع كلاً من المادة والطاقة والمكان والزمان في نقطة واحدة شبیھة بالنقطة الأولى التي بدأ بھا الكون؟ وھنا أیضًا یتدخل القرآن الكریم لیحسم القضیة إلى صالح نظریة الانسحاق الشدید للكون وذلك بقول الحق تبارك وتعالى:
" یوَمَ نطَوِي السَّمَاءَ كَطَي السجِل للِكُتبِ كَمَ ا بدَأْناَ أوَلَ خَلْقٍ نُّعِیدُهُ وَعْداً عَلیْناَ إنِّا كُنَّا فاَعِلیِنَ"
وھنا یأتي حدیث رسول ﷲ صلى ﷲ علیه وسلم الذي نحن بصدده ناطقاً بطي السماوات یوم القیامة، وھي حقیقة لا یستطیع العلم التجریبي أن یتجاوز فیھا مرحلة التنظیر فوضع نظریة الانسحاق الشدید، وھي نظریة نرتقي بھا إلى مقام الحقیقة لوجود إشارة لھا من رب العالمین في كتابه وفي سنة رسوله صلى ﷲ علیه وسلم.
ونظریة الانسحاق الشدید لم یتمكن الإنسان من بلورة تصور مبدئي لھا إلا بعد منتصف القرن العشرین. وھنا یبرز التساؤل: كیف یمكن لكتاب أنزل قبل ألف وأربعمائة سنة أن یتحدث عن طي السماء بھذه الدقة البالغة لو لم یكن المتحدث فیه ھو الخالق سبحانه وتعالى؟ وكیف أمكن لنبي أمي في قلب الجزیرة العربیة من قبل ألف وأربعمائة من السنین (وقد كانت مجتمعًا بدائیاً، جاھلیاً، لا صلة له بعلم ولا بقراءة أو كتابة) أن یتحدث عن طي السماوات لو لم یكن موصولاً بالوحي، ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض؟
وھنا تتضح أھمیة الإشارات الكونیة في كل من كتاب ﷲ وسنة رسوله علیه الصلاة والسلام، في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعیشه، وھو زمن لم یعد یحرك مشاعر الناس فیه شيء كما تحركه الحقیقة العلمیة؛ وھذه الإشارات الكونیة المنزلة من قبل ألف وأربعمائة سنة والتي لم یستطع الإنسان الوصول إلى تصور لھا إلا منذ عشرات قلیلة من السنین ھي أیسر وسیلة في الدعوة إلى دین ﷲ الخاتم في وقت تحول فیه العالم إلى قریة كبیرة تتلاقى فیھا مختلف الحضارات، والمعارف والمعتقدات، وأصبح لزامًا علینا أن نحسن التبلیغ عن ﷲ ورسوله بلغة العصر وأسلوبه لعل ﷲ تعالى أن یفتح لنا الدنیا من أطرافھا كما فتحھا على أسلافنا، وما ذلك على ﷲ بعزیز. وصلى ﷲ وسلم وبارك على سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع ھداه ودعا بدعوته إلى یوم الدین.
إرسال تعليق