السلام عليكم ورحمة الله
إن كان لم يتح لأفلاطون تلميذ يعرفه إلينا كما عرف هو معلمه سقراط، فإن محاوراته تكفي لاطلاعنا على حياته وأخلاقه، وخاصة على الأثرالعميق الذي تركه معلمه في نفسه. إن هذه المحاورات ستظل أصدق شاهد على عظمة أفلاطون إن الفكرة القائلة بوجود عقل منظم منفصل عن بقية الأشياء، كانت معدة لأن تقوم بدور عظيم الأهمية في تفكير أفلاطون، بلسان سقراط، في المحاورة المسماة "فيدون"، مبلغ هذه الفكرة التي تتصور عالما منظما ينزع إلى الخير. فما لا ريب فيه أن النظرية الأفلاطونية التي تميز المادة من الروح، والحتمية الآلية من السببية العاقلة الإلهية، قد أخذها أفلاطون عن أنكساغوراس.
أما
أخر فئة من المفكرين الذين أثرت نظرياتهم في أفلاطون فهي فئة الذريين
الممثلين بالفيلسوفين لوسيبس وديموقريطس سنة 470ق.م الذين اقتصروا على وحدة
الكون العنصرية وسلموا بوجود فضاء لا متناه يعج بعدد لا متناه من الذرات
تتركب منها عوالم وتنحل بحسب المصادفات التي تتلاقى فيها هذه الذرات أو
تتفارق .أما الحركة فهي في نظرهم ,واقع لا ضرورة للبحث في تفسيره، أما
تلاقي الذرات فلا يخضع لأي ناموس، إن لم يكن لناموس المصادفة على حد زعمهم، وقد نفوا كل عناية، وكل نوع وجود إلا المادة. وليست النفس، حسب اعتقادهم
سوى مركب من ذرات أذق من الذرات التي يتركب منها الجسم، وقد صب أفلاطون، في
كتابه "الشرائع" جام انتقاداته على هذا النوع المغالي في تمجيد المادة
والفكر الآلي.
إن جميع هذه النظريات الفلسفية التي نما في جوها الفكر الأفلاطوني لم تكن تخلو من الأخطار. فأطروحاتها الجذرية، التي تدعي جميعها تفسير الكون كانت تثير الريبة، وتدفع بمتتبعيها إلى الاعتقاد بأن الحقيقة لو وجدت، لظل فهمها علينا مستحيلا، وإلى فقدان الثقة بالفلسفة التي لا تفضي إلا إلى تناقضات. بيد أن المواقف الأساسية لهذه الحركة قد دفعت، من جهتها، إلى هذا الشك، إذ لو جئنا نؤكد أن الوجود هو واحد وساكن ,وأنه هو وحده موضوع تفكيرنا ,لنبذنا كل جملة تكون الصفة فيها ,بأي وجه من الوجوه ,غير الموصوف، لكي نحتفظ بالحقيقة لإصدار أحكام موحدة مثل: سقراط هو سقراط، فلو قلنا سقراط هو رجل لناقضنا ذاتنا بذاتنا، فهذا يشبه قولنا سقراط ليس سقراط.
وحتى لو أهملنا البحث في الوجود لكي لا نصدر أحكاما إلا فيما يختص بالصيرورة، فلن تكون الحال أفضل، لأن الكل في فيض الصيرورة الأبدي يختلط بالكل بحسب زعمهم، فلا يتميز شيء عن شيء، إذن فكل حكم هو صحيح، حتى القضايا المتناقضة هي أيضا صحيحة.
حاول أفلاطون في محاورته "الجمهورية" التي تعتبر قمة نضجه، أن يصف فيها وصفا مسهبا وجه الشبه الموجود بين النفس البشرية والدولة، فميز في الدولة ثلاث طبقات هي: الصناعيون، الجنود والفلاسفة، إن هذه الطبقات الثلاث تطابق الأقسام الثلاثة التي يمكننا أن نميزها في النفس البشرية وهي:
شهواتها وأهواؤها وعقلها، فلكي يكون جميع المواطنون سعداء، يجب على كل منهم أن يرضى بالمهمة التي تؤهله لها مواهبه الخاصة، هكذا يقضي العدل الذي هو أساس كل دولة، أن يتمم كل مواطن وظيفته، وأن يمتنع عن التدخل في شؤون غيره، فيتفرغ الصناعيون للأمور المادية، والجنود للدفاع عن الوطن، والفلاسفة لإدارة شؤون الدولة لأن الفلاسفة، أي أولئك الحكماء الذين جازوا بحكمتهم العالم المنظور، بعد تأهب عقلي وأدبي طويل بلغوا معرفة الوجود الأسمى الذي هو الخير المطلق وينبوع الوجود والمعرفة، وهم دون سواهم باستطاعتهم توجيه مواطنيهم إلى غاية الإنسان الحقيقية.
يبدو من السهل تطبيق هذه النظرية على النفس حيث يجدر بالعقل أن يحكم، وبالشهوات والأهواء أن تنقاد له، وما دام هذا النظام معمولا به يظل الانسجام مهيمنا، ويحقق ذاته تحقيقا كاملا.غير أن في النفس، كما في الدولة، قوى تنزع إلى هدم هذا التوازن حتى تنتشر الفوضى في النفس وفي الدولة بتدرج يصفه لنا أفلاطون وصفا دقيقا، وتبلغ الفوضى درجتها القصوى حين تسيطر الشهوات وتطغى فالنفس التي يهيمن عليها العدل تظل هانئة، سعيدة، حتى لو بخس قدرها وحكم عليها ظلما. أما النفس التي يسيطر عليها الطغيان فتظل، مهما أغدق عليها الخيرات الدنيوية، أحط جميع الكائنات وأذلها.
المراجع:
إن كان لم يتح لأفلاطون تلميذ يعرفه إلينا كما عرف هو معلمه سقراط، فإن محاوراته تكفي لاطلاعنا على حياته وأخلاقه، وخاصة على الأثرالعميق الذي تركه معلمه في نفسه. إن هذه المحاورات ستظل أصدق شاهد على عظمة أفلاطون إن الفكرة القائلة بوجود عقل منظم منفصل عن بقية الأشياء، كانت معدة لأن تقوم بدور عظيم الأهمية في تفكير أفلاطون، بلسان سقراط، في المحاورة المسماة "فيدون"، مبلغ هذه الفكرة التي تتصور عالما منظما ينزع إلى الخير. فما لا ريب فيه أن النظرية الأفلاطونية التي تميز المادة من الروح، والحتمية الآلية من السببية العاقلة الإلهية، قد أخذها أفلاطون عن أنكساغوراس.
عقل أفلاطون |
إن جميع هذه النظريات الفلسفية التي نما في جوها الفكر الأفلاطوني لم تكن تخلو من الأخطار. فأطروحاتها الجذرية، التي تدعي جميعها تفسير الكون كانت تثير الريبة، وتدفع بمتتبعيها إلى الاعتقاد بأن الحقيقة لو وجدت، لظل فهمها علينا مستحيلا، وإلى فقدان الثقة بالفلسفة التي لا تفضي إلا إلى تناقضات. بيد أن المواقف الأساسية لهذه الحركة قد دفعت، من جهتها، إلى هذا الشك، إذ لو جئنا نؤكد أن الوجود هو واحد وساكن ,وأنه هو وحده موضوع تفكيرنا ,لنبذنا كل جملة تكون الصفة فيها ,بأي وجه من الوجوه ,غير الموصوف، لكي نحتفظ بالحقيقة لإصدار أحكام موحدة مثل: سقراط هو سقراط، فلو قلنا سقراط هو رجل لناقضنا ذاتنا بذاتنا، فهذا يشبه قولنا سقراط ليس سقراط.
وحتى لو أهملنا البحث في الوجود لكي لا نصدر أحكاما إلا فيما يختص بالصيرورة، فلن تكون الحال أفضل، لأن الكل في فيض الصيرورة الأبدي يختلط بالكل بحسب زعمهم، فلا يتميز شيء عن شيء، إذن فكل حكم هو صحيح، حتى القضايا المتناقضة هي أيضا صحيحة.
حاول أفلاطون في محاورته "الجمهورية" التي تعتبر قمة نضجه، أن يصف فيها وصفا مسهبا وجه الشبه الموجود بين النفس البشرية والدولة، فميز في الدولة ثلاث طبقات هي: الصناعيون، الجنود والفلاسفة، إن هذه الطبقات الثلاث تطابق الأقسام الثلاثة التي يمكننا أن نميزها في النفس البشرية وهي:
شهواتها وأهواؤها وعقلها، فلكي يكون جميع المواطنون سعداء، يجب على كل منهم أن يرضى بالمهمة التي تؤهله لها مواهبه الخاصة، هكذا يقضي العدل الذي هو أساس كل دولة، أن يتمم كل مواطن وظيفته، وأن يمتنع عن التدخل في شؤون غيره، فيتفرغ الصناعيون للأمور المادية، والجنود للدفاع عن الوطن، والفلاسفة لإدارة شؤون الدولة لأن الفلاسفة، أي أولئك الحكماء الذين جازوا بحكمتهم العالم المنظور، بعد تأهب عقلي وأدبي طويل بلغوا معرفة الوجود الأسمى الذي هو الخير المطلق وينبوع الوجود والمعرفة، وهم دون سواهم باستطاعتهم توجيه مواطنيهم إلى غاية الإنسان الحقيقية.
يبدو من السهل تطبيق هذه النظرية على النفس حيث يجدر بالعقل أن يحكم، وبالشهوات والأهواء أن تنقاد له، وما دام هذا النظام معمولا به يظل الانسجام مهيمنا، ويحقق ذاته تحقيقا كاملا.غير أن في النفس، كما في الدولة، قوى تنزع إلى هدم هذا التوازن حتى تنتشر الفوضى في النفس وفي الدولة بتدرج يصفه لنا أفلاطون وصفا دقيقا، وتبلغ الفوضى درجتها القصوى حين تسيطر الشهوات وتطغى فالنفس التي يهيمن عليها العدل تظل هانئة، سعيدة، حتى لو بخس قدرها وحكم عليها ظلما. أما النفس التي يسيطر عليها الطغيان فتظل، مهما أغدق عليها الخيرات الدنيوية، أحط جميع الكائنات وأذلها.
المراجع:
كتاب :جمهورية أفلاطون
كتاب:محاورات أفلاطون
إرسال تعليق