أغلب الناس يعتقدون أنهم يتخذون قراراتهم بناء على اختيارات واعية ومنطقية وفي واقع الأمر فهم يجهلون أن قراراتنا في معظمها عاطفية تنتج بناء على أهوائهم، ثم يعمدون بعد ذلك إلى تبريرها لجعلها أكثر منطقية. فنحن نستجيب للمؤثرات بطرق لا عقلانية، ربما البعض لا يشاطرني الرأي ولكن معظم الناس الذين تعرضوا لعمليات النصب، عندما يقصون تفاصيل وقوعهم في مصيدة المحتال يلومهم أقرباؤهم وأصدقاؤهم ويصفونهم بالغباء، في حقيقة الأمر لا علاقة لذلك بالذكاء ,لأن النصاب استعمل بعض الأساليب التي تجعل ضحيته غير قادر على الرفض. ووعيك عزيزي القارئ بمعظم تلك الآليات المتعلقة بالمثير والاستجابة سيساعدك على أن تصبح شخصا مؤثرا بامتياز، أو على الأقل يحميك من الوقوع في شراك النصابين وهناك نقطة مهمة أريد الإشارة قبل الخوض في الموضوع أن أغلب سلوكياتنا تهدف إلى حيازة تقدير واستحسان الآخرين فتخيل نفسك في جزيرة مهجورة هل كنت ستلقي بالا لما سترتديه في الصباح أو ما ستقوله وأنت تتناول وجبة العشاء. فالآخر هو المرآة التي نرى فيها أنفسنا، فنحن نتخذ القرارات التي تجعلنا نبدو في شكل محبب أمام الناس. ولأننا نميل إلى الاستجابة بطرق متشابهة في التعاملات الاجتماعية فيمكن التنبؤ بتصرفات الناس بنسبة عالية.
علم نفس الإقناع والتأثير:كيف تجعل الذي أمامك غير قادر على الرفض؟ |
مرحلة الألفة وبناء الثقة
• تغيير البيئة: نحن نتصرف بطرق مختلفة عند انتقالنا من بيئة إلى أخرى، فسلوكك وأنت في المقهى يختلف عن تصرفك وأنت في المسجد ,كما أن سلوكك وأنت في داخل منزلك يناقض تماما تعاملك وأنت في الشارع، وأعطي مثالا بالذي حدث مع الرئيس المصري السابق أنور السادات حين تعمدت حكومة الولايات المتحدة إجراء المحادثات في منتجع كامب ديفيد سنة 1978م لاخراجه من بيئته الطبيعية في مصر حيث كان يعاني من ضغط الشارع المصري وأخده إلى بيئة تتسم بالمرح والأجواء الصيفية الممتعة للتأثير على سلوكياته، وبالتالي جعلوه يوقع على بنود معاهدة، ما كان ليوقع عليها وهو داخل مصر.
• الانطباع الأول يتم 4 في ثواني:عندما تلتقي بشخص للمرة الأولى ,تنشط ملايين الخلايا العصبية الموجودة في المخ، ويحاول المخ مباشرة تصنيف الشخص في نمط معين ,ترى من يشبه؟ هل هو جذاب؟ ما الشيء الفريد فيه؟ ... إذا كان عليك أن تقوم بتحليل واع لكل شيء في كل شخص جديد تقابله فإنك لن تكون قادرا على الحديث معه، وبدل أن تضطر لذلك فإن العقل اللاواعي يبدأ على الفور في العمل ويقوم بإصدار جميع التقييمات لمقارنة سمات الشخصية الماثلة أمامك مع سمات شخصيات حدثت لك معهم مواقف ونتج عنها أحاسيس ومشاعر معينة ,وبقية هذه السمات مقترنة مع هذه المشاعر ومخزنة في ملفات خاصة وعلى أساسها يتم تصنيف الناس. هل ملامحة تدل على أنه فاشل أو ناجح؟ إن كان عدواني أو ظريف؟ هل هو محبوب أو مكروه؟ وكل ذلك يتم خلال 4 ثوان.
• لغة الجسد والجاذبية الجسدية والمظهر الأنيق: تخيل نفسك في الشارع وفجأة يستوقفك شخص رث الثياب وغير مهندم ماهو أول انطباع ستحس به ربما ستصنفه على أنه متسول أو متعاطي مخدرات وفي الغالب ستتحاشى الحديث معه أما إذا كان متأنق وحسن المظهر فسترجح أنه يريد الاستفسار عن شيء معين ربما عن مكان محدد أو يريد أن يسألك عن الساعة، لذلك محترفو النصب يعمدون للعناية بهندامهم ويتفوقون على الضحية ب نسبة 10 % فأكثر من ذلك يعد افتخارا ويؤدي إلى عدم شعور الضحية بالارتياح. تواصلنا اللفظي لا يتعدى 7 % ونبرة الصوت تمثل 38 % في حين أن لغة الوجه والجسد فتصل إلى 55%. لذلك يجب أن تتوافق حركة اليدين وتعابير الوجه ونبرة الصوت بما يتناسب مع الموقف أو الفكرة التي تريد طرحها.
• المسافة الآمنة للتأثير: عدم اختراق المسافة الشخصية للآخر وتقدر هذه المسافة ب 45 سنتمتر من جميع الاتجاهات خصوصا إن كنت أكبر منه حجما لأن ذلك يشعره بالتهديد ولا تبتعد كثيرا لكي لا تفقد الاتصال وبالتالي التأثير عليه.
مرحلة المحاكاة
• التشابه والتشاركية: الآخرون يكونون أكثر ارتياحا عند يرون أننا نشبههم في المعتقدات والقيم والمظهر، مثلا إذا سافرت إلى بلد أجنبي ووجدت شخصا من بلدك أو مدينتك ألن تشعر بالراحة؟ حاول دائما البحث عن شيء مشترك بينكما هواية، تشجيع فريق معين.
• استخدم المصطلحات التي تراه يستخدمها وكذلك استخدم اسمه أثناء الحديث معه، لكسر الحواجز النفسية واشعاره بالألفة
• إذا رأيت نبرة صوته ارتفعت فقم بمحاكاتها ولا تتجاوزها.
• الناس تود الشعور بالارتياح وهذا الارتياح يظهر في اعطائهم المساحة للحديث عن أنفسهم وأن نشعرهم بأننا نهتم لكلامهم فالناس يحبون الحديث حول ما يعرفون ويحبون.
• اعثر على عدو مشترك فلا شيء يوحد بين الناس والأمم والشعوب مثل عدو مشترك خارجي، وكأنكما في نفس القارب فأمريكا نفسها عندما تريد توحيد شعبها لا بد من أن تصطنع عدوا مشتركا للخروج من أزماتها، كالاتحاد السوفياتي سابقا القاعدة العراق المسلمين وهلم جر.
مرحلة القيادة والتحكم :
• محاكاة الوضع الجسدي كالوقوف بنفس الطريقة أوالجلوس ونبرة صوت وحتى نسق التنفس إن أمكن الشخص إذا أردت أن تعرف إن كان هناك نوع من المودة فغير وضع جسدك دون تكلف، كأن تضع رجلا على رجل ولاحظ إن كان سيحاكيك دون لفت الانتباه.
• سرعة الحديث تنسجم مع كيفية معالجتهم لأفكارهم وتصوراتهم الداخلية فالناس الذين يميلون لاستخدام الصور(الأفلام) يكونون أكثر سرعة أما الأكثر بطء فيعالجون المعلومات من خلال مشاعرهم وانفعالاتهم.
• أولا إظهار الاهتمام تم المحاكاة وبعد ذلك القيادة جرب أن تغير نبرة صوتك أو تناول كوب ماء فإذا رأيت أنه التقط منديل أو قلم فقد نجحت في عملية القيادة وإذا لم يحدث فأعد عملية بناء المودة والألفة.
• بعد التأكد من ذلك اعرض عليه المساعدة في غالب الأحيان لن يطلب منك شيء لأنه غير مستعد ذهنيا، امنحه شيء معين لتحته على عملية التبادل إن حث التبادلية هو أسلوب حياة، اعرض عليه فنجان قهوة أو هدية فمثل هذه الأشياء البسيطة تدفعنا إلى عدم القدرة على رد الطلب حتى لوكان أضعاف الهدية المهداة، فمنذ صغرنا تعودنا على الابتسامات والتربيتات على الكتف عندما نشرك الآخرين في ما لدينا والتوبيخ إذا أظهرنا أنانيتنا، لقد تم غرس قانون التبادل في نفوسنا منذ طفولتنا المبكرة وهذا ما تعتمد عليه الشركات تعطيك هدية مجانية رغم أنها لا تساوي شيء مقابل ما ستأخذه منك.
إذا اتقنت المراحل الثلاث للتأثير وهي الألفة والمحاكاة والقيادة، في هذه الحالة فأنك قادر بنسبة 95% على اقناع الآخر بوجهة نظرك أو جعله يوافق على طلب معين، ورغم قوة هذه الأساليب إلا أن تأثيرها لن يكون دائما إذا لم تصاحبه النفس الخيرة وحب الناس وتمني الخير للجميع.
كتاب/علم التأثيرkevinhogan
كتاب/ترك الأثرRobert Cialdini
إرسال تعليق