لقد بدأ العلم في بلاد الإغريق القديمة الكلاسيكية، ونستطيع هنالك أن نبدأ في تعقب الأثر الذي يقودنا إلى الأفكار الحالية عن المادة وعناصرها. لقد كان الإغريق مفكرين مبدعين على نحو مدهش.
إمبيدوكليس Empedocles ونظرية العناصر الأربعة |
لقد أخطأ الإغريق، في أمور كثيرة وهذا بحد ذاته أمر هام، والسبب أنه لمدة ألفي سنة بعد سقوط أثينا اعتقد المفكرون في العصر الهليني والروماني وفي العصر الإسلامي وحتى عصر النهضة أن ما قاله الإغريق كان حقيقة لا شك فيها. فأفكار الحكماء الإغريق كان حقيقة لا شك فيها. فأفكارهم حول الفلسفة والعلم والطب كانت تقبل بخشية وتبجيل، إلا أننا اليوم نعلم أن كثيرا من الحقائق التي أتوا بها ليست صحيحة .ولكن صياغة أفكارهم ونوع الأسئلة التي طرحوها والأساليب التي اتبعوها كان لها أثر أساسي على تطور المعرفة والأفكار المعاصرة. ولو لم يكن ذلك العدد القليل نسبيا من المفكرين الإغريق القدماء، لما وجد الآن العلم والفلسفة والثقافة الغربية التي نعرفها.
كان إمبيدوكليس حوالي 490 -435 ق.م واحدا من أعظم الأشخاص متعددي البارعات في كل العصور، وكان مثالا مرموقا للتنوع والإبداع الهائلين للمفكرين الإغريق.ولد لأسرة أرستقراطية وشارك بانقلاب ضد حكم القلة التي تحكم أثينا ،كما عرض عليه التاج ولكنه رفض العرض. وأسس ديمقراطية وأصبح نفسه سياسيا. ولكنه في وقت فراغه استطاع أن يصبح واحدا من أعظم الشعراء والعلماء والفلاسفة والأطباء في عصره.
ابتكر إمبيدوكليس نظرية العناصر الأربعة، التي وصفت بأنها أنجح نظرية علمية على الاطلاق فيما يتعلق بشهرتها وطول بقائها، علما أنها لم تكن صحيحة، من غير ريب. تبدو هذه النظرية كحل ديبلوماسي وسط بين الأفكار المتناقضة الأولى التي تقول إن العالم يتكون فقط من الماء (طاليس) أو الهواء (أناكسيمينيس) أو النار (هرقليطس) أما أنكساكوراس فيرى أن العقل هو الذي خلق المادة ونظم الوجود بعدما كانت المادة في فوضى وفرض النظام والجمال. .قال إمبيدوكليس Empedocles إنه ليس هناك مادة أساسية واحدة وإنما أربعة عناصر : التراب، والنار والهواء والماء.
وهناك ميزة أن يكون هناك أربعة عناصر وليس واحد فقط وهو أن العالم يتألف من تنوع لا يصدق من الأشياء , ومن الصعب أن نفسر هذا التنوع العجيب الموجود في الكون إذا كان كل شيء مكونا من مادة واحدة, وقال إمبيدوكليس إن كل نوع مختلف من الأشياء يتكون من خصائص العناصر الأربعة، وعلاوة على ذلك، يحدث التحول بسبب تبادل العناصر المكونة المكونة للشيء فمثلا، العظم مكون من النار والماء والتراب بنسبة2 :1:1 أما اللحم فمكون من العناصر الأربعة بنسب متساوية.
بالإضافة للعناصر الأربعة أضاف إمبيدوكليس قوتان دعاهما " حب" و "كراهية" فالكراهية تبعد الأشياء عن بعضها بينما يجذبها الحب لبعضها مرة أخرى أما إذا تعادلت القوتان فلن يكون هناك تحول.
إن رأي إمبيدوكليس عن العالم مختلف جذريا عن الرأي المعاصر و ذلك من عدة وجوه لأنه أصبغ عليها معنى ديني عندما تحدث عن قوتي الحب والكراهية، فرأى فيهما نزاعا بين الخير والشر وتنظيمه للأشياء يختلف عن تنظيمنا، فعناصره تنسجم مع الحالات الأربعة للمادة (صلب،سائل،غاز،بلازما) فقد رأى العناصر مواد متجانسة ، امتزجت معا بعد خلطها كما تمتزج الأصباغ.
المرجع: قصة الفيزياء ترجمة د. طاهر تربدار
إرسال تعليق