قامت الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي في أوروبا الغربية وبلغت هذه الإمبراطورية أوج عظمتها وقوتها واتساع ممتلكاتها في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلاديين، فقد ضمت الإمبراطورية في تلك الفترة أوروبا الغربية والبلقان وآسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وامتد نفوذها ليشمل إيران والهند والسودان والشعوب الجرمانية شرقي الراين وشمالي الدانوب.
الممثل CHRISTOPHER PLUMMER يجسد دور امبراطور روماني |
بداية تدهور الإمبراطورية الرومانية:
لكن هذه الإمبراطورية دخلت مرحلة التدهور والانحلال منذ القرن 3 الميلادي، وذلك بسبب عوامل عديدة أدت في النهاية إلى سقوطها في عام 476م. فقد ساءت الأوضاع الاقتصادية للإمبراطورية نتيجة الحروب الداخلية التي مزقت وحدتها وجعلت الطرق التجارية فيها غير آمنة، كما أدت كثرة الضرائب المفروضة من قبل السلطات الرومانية على السكان، وفقدان العملة لقيمتها، وارتفاع الأسعار بشكل كبير جدا إلى الإسراع في انهيار الإمبراطورية الرومانية.وكانت المدن الرومانية تعيش في تلك الفترة أزمة حادة، فتدهورت الحرف والصناعات، وهو ما أدى إلى قيام الكولونات المنغلقة والمكتفية ذاتيا، وتدنت القوة الشرائية لدى السكان إلى أدنى الحدود، مما أدى إلى تفشي الفقر بين أبناء الإمبراطورية الرومانية الواسعة وبالتالي ازداد التذمر وتنامت الخطوات الانفصالية تجاه الانكفاء المحلي والاعتماد على الذات.
وعلى الصعيد التجاري، فقد ساهم ميل الميزان التجاري إلى صالح الجزء الشرقي من الإمبراطورية مقارنة بالجزء الغربي، إضافة إلى نضوب معين العبيد الذين كانوا يشكلون القوة المنتجة الأساسية في الإمبراطورية وذلك بسبب انتهاء حروبها التوسعية مما ساهم في تدهورها وانحلالها.
ظهور النزعات الانفصالية في جسد الإمبراطورية الرومانية:
ومع ضعف السلطة المركزية تنامت النزعة الانفصالية لدى الأقاليم التابعة للإمبراطورية الرومانية، واتجهت بعض الولايات في الشرق والغرب نحو الانفصال عن جسم الإمبراطورية المنهك كما أن تحكم الجيش بالسلطة كان من بين أسباب انهيارها، فقد تحول الأباطرة إلى لعبة بيد الجيش وفقدت السلطة المركزية مكانتها وهيبتها وأصبح زعماء الأقاليم وقادة الجيش يتحكمون في مقدرات البلاد. إضافة إلى كل ذلك كان خطر القبائل البربرية من الجرمان والقوط والهون وغيرهم وغزواتهم المتكررة لحدود الإمبراطورية التي كانت تستنزف البقية الباقية من إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية.الأباطرة الرومان ومحاولات الإصلاح:
ولا يخفى أن بعض الأباطرة حاولوا إنقاذ الإمبراطورية وإعادة الهيبة لها بإخراجها من الأزمات التي كانت تعيشها قبيل انهيارها، مثل دقلديانوس 284م-305م والإمبراطور قنسطنطين 305م-337م، إذ قاما بإجراء بعض الإصلاحات التي كانت تهدف إلى تقوية الإمبراطورية اقتصاديا وإداريا وسياسيا، حتى أن هذا الأخير طالب بتأليهه وتقديم القرابين له، ومن أجل تركيز السلطة في شخصه اهتم بتقوية الجهاز الإداري، وأصبح المجلس الإمبراطوري خاضعا لسيطرته الكاملة ، وفقد مجلس الشيوخ أهميته كمؤسسة عليا في الإمبراطورية ، كما اهتم بتجنيد البرابرة في جيشه وأوجد نظاما أكثر دقة لجمع الضرائب كما قام بسك عملة نقدية جديدة ونقل العاصمة إلى مدينة القسطنطينية التي بناها على أنقاض مدينة بيزنطة واعترف بالمسيحية إذ وجد في الديانة الجديدة قوة إيديولوجية يمكن استخدامها في صراعه ضد منافسيه.نهاية الإمبراطورية الرومانية على يد البرابرة:
وعلى الرغم من قيام قسطنطين بإعادة حصر السلطات في يده، إلا أنه بعد موته انقسمت الإمبراطورية من جديد، ففي آخر المطاف لم تؤد هذه الإصلاحات إلى إنقاذ الإمبراطورية من أزماتها ، بل إن هذه الأزمات تعمقت في نهاية القرن الرابع الميلادي أكثر من ذي قبل, فبعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس عام 395 م انقسمت الإمبراطورية بين ولديه اركاديوس وهونوريوس، وبقي هذا التقسيم حتى نهاية الإمبراطورية، فقد أصبح القسمان الشرقي والغربي يعادي احدهما الآخر.كانت نهاية الإمبراطورية المميتة على يد القبائل البربرية الجرمانية التي وجدت حلفاء لها من داخل الإمبراطورية وخاصة بين العبيد والفلاحين والحرفيين الذين ساءت أحوالهم وتحول استياؤهم إلى انتفاضة واسعة خلال القرنين 3 و4 الميلاديين وقد أدت محاولات قمع هذه الانتفاضات إلى مزيد من استنزاف موارد روما وإضعافها أمام الأخطار الخارجية خصوصا الكلتيون والجرمان والسلاف .حيث أخذ البرابرة يعبرون الحدود ويسيطرون على أراضي الإمبراطورية مما اضطرها لتقديم تنازلات وفي آخر المطاف كونت هذه القبائل النازحة تكتلات ففي جنوب الراين ظهر الانجلوسكسون، وفي الراين الأوسط ظهر اتحاد قبائل الفرنجة، وفي شماله ظهرت القبائل الألمانية، أما فيما وراء الألب فتكونت اتحادات قبائل الوندال والبرغنديين، وكانت قبائل القوط قد كونت ممالك كبرى لها في مناطق الدانوب والبحر الأسود.ويطلق على هذا العهد اسم عهد الهجرات الكبرى للشعوب.
المصدر: تاريخ أروبا الحديث لجيفري براون
إرسال تعليق