السلام عليكم ورحمة الله
في إطار العمل على التنوع الثقافي وجعل مدونة محيط المعرفة مكانا خصبا لكل ناشر قررت مدونة محيط المعرفة في حملتها التي أطلقتها 'انشر موضوعك' أن تسهم جميع روادها في النشر والتحرير وقد تلقى بريد المدونة هذا المقال الذي سنقوم بنشره كما هو، مع متمنياتنا لكم بأطيب المنى.
يوسف النويني |
الشيخ رجب ينتصر على ذئاب الوادي
شهدت تركيا انتخابات نوعية في الآونة الأخيرة، وما ميزها هو فوز الوزير الأول رجب طيب أردوغان بنسبة كاسحة على غرمائه المرشحين، سنحاول أن نتبين و القارئ الكريم الملامح والسياقات التي تحقق فيها هدا الفوز التاريخي للمرشح المحسوب على التيار الإسلامي - حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية - وماهي الظروف المحلية والعالمية التي أنتجت "الشيخ رجب _ كما كان يحلو لأحد مدرسيه في المدرسة الإبتدائية أن يناديه؟ وكيف استطاع " الشيخ رجب " الصمود أمام إعصارات الدولة العميقة التركية التي حاولت اقتلاعه من سدة الحكم من البلد العلماني – المسلم؟ وكيف قطع الطريق على "ذئاب الوادي "، ونظف دهاليز الدولة التركية من أتباع الدولة العميقة الموالية لجهات عالمية كإسرائيل و أمريكا؟ أخدنا هدا المسمى من الإنتاج السينمائي التركي الضخم (وادي الذئاب ) الذي حاول معالجة الوضع التركي بكل مداخله_حسب اعتقادنا.
الشخصية المتكاملة
رجب طيب أردوغان، 26 فبراير 1954 في اسطنبول، يعود أصله إلى مدينة طرابزون، أمضى طفولته في محافظة "ريزة " على البحر الأسود، ثم عاد مرة إلى اسطنبول لتبدأ حياة الجد والكفاح، وليصارع مدلهماتها، وهي المدينة التي استعصت على الجميع وعرفت بغنجها أمام عاشقيها، نشأ "الشيخ رجب" في أسرة فقيرة وعانى آلام الفقر والمعاناة شأنه شأن كثير من المواطنين الأتراك، وقد عبر على هدا الأمر بنفسه في مناظرة تلفزيونية مع "دنير بايكال " رئيس الحزب الجمهوري ما نصه:
(لم يكن أمامي غير بيع البطيخ و السميط - نوع من الحلوى التركية - في مرحلتي الابتدائية والإعدادية، كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي، فقد كان والدي فقيرا)، درس في مدارس "إمام خطيب " الدينية ثم التحق بكلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة.
الممارسة السياسية الصادقة
انضم "الشيخ رجب"إلى حزب "الخلاص الوطني" بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية التسعينيات، لكن مع الانقلاب العسكري سنة 1980 تم إلغاء جميع الأحزاب، وبحلول عام 1983عادت الحياة الحزبية إلى تركيا وعاد نشاط أردوغان من خلال حزب "الرفاه"، خاصة في محافظة اسطنبول. وبحلول عام 1994 رشحه "الرفاه" إلى منصب عمدة اسطنبول، واستطاع أن يفوز في تلك الانتخابات بعدد كبير من المقاعد وأثناء هده الفترة عرف عنه الإباء و الكبرياء والصدق في الممارسة السياسية، وهدا سيتجلى فيما بعد في فترة عمادته لمدينة اسطنبول.
بعدها عمل مع بعض زملائه في الحزب الدين انشقوا عن حزب "نجم الدين أربكان " على تأسيس حزب " العدالة ولتنمية "، واتهم سنة 1998 بالتحريض على الكراهية الدينية تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتا شعرية من شعر تركي قديم أثناء خطاب جماهيري كبير يقول فيه: مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، هذا الجيش المقدس، و المصلون جنودنا، هدا الجيش المقدس يحرس ديننا...
بعدها أعلن أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية وقال: "سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا.
الانخراط في الإقلاع الاقتصادي والسياسي والثقافي للوطن
بعدما فاز "الشيخ رجب" برئاسة بلدية اسطنبول عام 1994 عمل على تطوير البنية التحتية للمدينة و إنشاء السدود ومعامل تحلية المياه لتوفير مياه نظيفة وصحية لأبناء المدينة، كما عمل على على تطوير أنظمة المواصلات من خلال شبكة مواصلات قومية وقام بتنظيف الخليج الذهبي (مكب نفايات سابقا) وأصبح معلما سياحيا كبيرا، كما عمل على إنشاء حدائق واسعة و اهتم بنظافة المدينة، حتى غدت اسطنبول محجا سياحيا عالميا، كما قطع الطريق على المافيا التركية وحارب رموزها الكبار، وتصدى كذلك لرجال الأعمال الفاسدين الدين كان اقتصاد اسطنبول مرتهنا وفق حساباتهم الضيقة والخاصة، وبدلك فقد انتشل بلدية اسطنبول من ديونها التي بلغت 2 مليار دولار إلى إن وصل رقم معاملاتها إلى 7% بفضل عبقريته ويده النظيفة وبقربه من الناس خاصة العمال حيث رفع أجورهم وحسن ظروف رعايتهم الصحية والاجتماعية، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة في عموم تركيا لأنه معروف لدى الأعراف التركية أنه من دانت له اسطنبول فقد ملك تركيا كلها.
ليس هذا غريبا فقد خاض حزبه الانتخابات التشريعية سنة 2003 وتمكن في مارس من نفس السنة من تولي رئاسة الحكومة حيث عمل على تعزيز الإستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وقاد حكومته للتصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي طويل - وصل إلى حد سجن ومحاكمة المثقفين والأدباء الدين يشيعون هدا النقاش، كما وقع للروائية ذات التوجه العلماني "إليف شفاق" التي حوكمت بسبب روايتها "لقيطة اسطنبول"- وكذلك مد جسور التواصل مع اليونانيين متجاوزا العداء التاريخي وفتح جسورا بينه وبين أذربيجان وبقية الجمهوريات الروسية السابقة، وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا وفتح الحدود مع عدد مع الدول العربية ورفع تأشيرة الدخول إليها - منح من طرف المملكة السعودية بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة 2010 ومنح الجائزة الفخرية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة في مجال خدمة الإسلام بتاريخ 23/03/2011، أيضا منحته مؤسسة القدافي العالمية لحقوق الإنسان جائزة فخرية سلمها له الدكتور أحمد الشريف يوم الإثنين 29 نونبر2010، كما لبى دعوة القمة الإفريقية الأوربية الثالثة بصفته "ضيف شرف " تعرض للانتقادات بعدها وطالبه منتقديه برفض جائزة معمر القدافي والتنازل عنها.
من جهة أخرى قام أردوغان سنة 2011 بتقديم الإعتدار التاريخي باسم الدولة التركية للأكراد العلويين جراء الأحداث التاريخية التي وقعت في منطقة "درسيم"بين سنوات (1936 - 1939) والتي ارتكبها الحزب الجمهوري آنذاك، وقوبل هذا الإعتذار بترحيب شديد من قبل رئاسة إقليم كردستان وقالت أن هذا التصريح يدفع بعملية الانفتاح الديمقراطي في تركيا إلى مرحلة أكثر تقدما.
أردوغان ودعمه التاريخي للقضية الفلسطينية ولقضايا الأحرار في العالم الإسلامي
تميز أردوغان في دعمه و مساندته لقضايا الأحرار و المستضعفين في العالم حيث عرف عنه دوره المميز في العدوان الإسرائيلي على غزة الآبية سنة 2008 - 2009 حيث كان موقفه موقفا "حازما" ضد خرق إسرائيل للمعاهدات الدولية وقتله للمدنيين بدون موجب حق، فقد قام بجولة في الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن تلك القضية وكان تفاعله واضحا مما أقلق الإسرائليين ووضع تركيا في مرمى النقد الإسرائيلي فأجاب "الشيخ أردوغان "إني متعاطف مع غزة ".
يضاف إلى دلك موقفه الشهير والقوي والشجاع في مؤتمر "دافوس "سنة 2009 وهو ما صادف الهجوم الوحشي على غزة، حيث غادر منصة المؤتمرين احتجاجا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز"بشأن الحرب على غزة، بعد أن دافع الرئيس الإسرائيلي على دولة إسرائيل وقال مشيرا إلى أردوغان: مادا ستفعل لو أن صواريخ القسام أطلقت على اسطنبول كل ليلة، وقال أيضا: إسرائيل لا تريد إطلاق النار على أحد لكن حماس لم تترك لنا خيارا، رد أردوغان بقوة وقال: لا يحق لك إن تتكلم بهده اللهجة و الصوت العالي الذي يثبت أنك المذنب، وتابع أيضا: إن الجيش يقتل الأطفال في شواطئ غزة، ورؤساء وزراؤكم قالوا لي إنهم يكونون سعداء جدا عندما يدخلون غزة على متن دباباتهم. ولم يترك مدير الجلسة الفرصة لأردوغان حتى يكمل رده على بيريز، فانسحب من المؤتمر قائلا: شكرا، لن أعود إلى دافوس بعد هذا.
من جهة أخرى دعم أسطول الحرية المتجه إلى غزة المكون من ست سفن، تضم ثلاث سفن تركية، وسفينتين من بريطانيا، بالإضافة إلى سفينة مشتركة بين كل من اليونان والجزائر والكويت، تحمل على متنها إغاثة ومساعدات إنسانية بالإضافة إلى 750 ناشطا حقوقيا وسياسيا بينهم صحفيون يمثلون وسائل إعلام دولية.
تعرض الأسطول إلى هجوم كوموندو إسرائيلي مباغت وقتل عددا من المتضامنين مع غزة بينهم أتراك، فقطع علاقات تركيا مع إسرائيل باستدعاء السفير التركي لدى إسرائيل، و أرغم حكومة الاحتلال على الإعتدار. كما عمل القائد أردوغان على استقبال العديد من الأسرى المبعدين في صفقة وفاء الأحرار بين حماس و إسرائيل عام 2011.
رئاسة الحكومة وتزامنها مع العدوان الغاشم على غزة في 2014
واصل "الشيخ رجب" انتصاراته المبهرة رفقة زوجته أمينة أردوغان التي لم يفوت الفرصة لاصطحابها معه في مؤتمراته وأنشطته السياسية وهدا إن دل على شيء فإنما يدل على احترامه للمرأة وحقوقها في ممارسة الشأن العام كأخيها الرجل، في غشت 2014 فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى منها على منافسيه، وبذلك يكون أول رئيس تركي ينتخب عن طريق الاقتراع المباشر مؤكدا على شعبيته التي لم تتغير رغم الاحتجاجات في ميدان "تقسيم" التي كشفت الحقائق أنها من تدبير ما يسمى ب"الدولة العميقة" أو ما أطلقنا عليه في عنوان هده المقالة "بذئاب الوادي".
فوزه في الإنتخابات الرئاسية لم ينسه آلام الفلسطينيين في غزة جراء العدوان الوحشي الإسرائيلي الأخير والدي مازال مستمرا إلى حدود كتابة هذا المقال، فقد تعهد باستقبال الجرحى في مستشفيات تركيا، وهدد الكيان الصهيوني بفتح خط جوي يربط غزة باسطنبول إن هو عارض فكرة خروج الجرحى الفلسطينين للتشافي في تركيا.
خاتمة
ما أحوج الأمة الإسلامية إلى مثل هؤلاء الرجال في زمن تكالبت عليها قوى الاستعمار والعدوان من كل جانب، ونحن إذ ندون هذه المقالة يهمنا أن يقتدي قاداتنا وحكامنا بمثل هؤلاء القادة لتحقيق إقلاع اقتصادي للأوطان العربية الإسلامية وتحرر سياسي بدل التبعية المذلة التي تدوس كرامة المسلم وتحقر من شأنه، قد يقول قائل: ما شأننا بأردوغان وما شأننا بتركيا؟ وما هدا الوله بالرجل وإنجازاته، نقول: إن ما جنى على الأمة هي ذهنية القعود والتقاعس بدون النظر لتجارب الآخرين ونجاحاتهم و الإقتداء بها، سيما إن صدرت من أيدي نظيفة وقلوب مؤمنة، ونضيف ردا على أصحاب القول بأن افعلوا ما فعل الرجل أو اصمتوا بدل التصفيق للغرب الإمبريالي الاستعماري الذي امتص ثرواتنا وخرب عقول مثقفينا، وأصبع يعيرنا بالتخلف والسير في طريق النماء.
يوسف النويني في :14/08/2014
إرسال تعليق