أوفياء مدونة محيط المعرفة تحية طيبة
بعد أن حاولنا إيجاد السر وراء عبقرية غاندي ,أريد في موضوع اليوم أن أبحث عن الأسباب التي جعلت إرنستو
تشي غيفارا ,يغير مسار حياته,رغم أنه من المفروض أن نشأته في كنف عائلة
ميسورة ومثقفة في مدينة روزاريو بالأرجنتين ,ستمكنه من الحصول على
وظيفة
مرموقة وتضمن له العيش الرغيد, لماذا اختار الطريق الصعب ؟لماذا يضحي
الإنسان بالأشياء التي يتقاتل عليها الآخرون ؟هل تصبح المعاناة وشظف العيش
مطلبا أم وسيلة لنيل شيء أعظم من ذلك؟تشي غيفارا Che Guevara |
أول شيء أثار انتباهي وأنا أبحث
في سيرة تشيغيفارا ,هي ثقافته الواسعة التي تشكلت نتيجة توفر مكتبة والده
على كتب لهيغل وماركس وفرويد ,وكذلك مؤلفات للشاعر الشيلي بابلو نيرودا ,كل
ذلك جعله يحظى بفكر متميز ,وكان من الممكن أن يصبح رجل أعمال ناجح ,ولكنه
تحول من رجل ثروة إلى رجل ثورة.
التحق بالمدرسة الثانوية عام 1941م وعاش
الأزمات السياسية الخانقة في الأرجنتين إلى جانب الظلم الاجتماعي الذي
تعانيه شعوب أمريكا اللاتنية ,مما جعله يضمر أشد الحقد والاحتقار
للإمبريالية .وبعد أن تشبع بالفكر الشيوعي رحل إلى المكسيك ,حيث توطدت
صداقته بفيدال كاسترو وقرر أن يخوض إلى جانبه معركة تحرير كوبا من
الديكتاتور باتيستا الموالي للولايات المتحدة الأمريكية ,وترأس مجموعة من
المقاتلين وكان قائدا موهوبا ومقاتلا شرسا يتمتع بصلابة فريدة ومعنويات قل
نظيرها .
وبعد انتصار الثورة منح الجنسية الكوبية ,وعين كوزير للصناعة
بكوبا ,وكان يدعو دائما إلى قطع العلاقات مع الولايات الأمريكية ,والتي
صنفته ضمن قائمة ألذ أعدائها المطلوبين .
رغم تمتعه بامتيازات وسلطة
واسعة في كوبا سيختار مرة أخرى مغادرة جميع مناصبه,وهذه الحياة الرغيدة
ليعود لبلده الأم الأرجنتين سنة 1965م بعد أن وجه رسالة لرفيقه كاسترو
يخبره فيها أن مهمته في كوبا قد أنجزت ,وأن واجبه المقدس هو النضال ضد
الامبريالية .بعد ذلك قاتل في الكونغو ثم انتقل إلى بوليفيا سنة 1966م لقيادة
الثورة فيها ,إلا أنه وقع في كمين نصبته له القوات البوليفية ,وعلى الرغم
من شجاعة مقاتليه واستبسالهم فلم يستطيعوا الإفلات ,وأصيب غيفارا في فخذه
ثم قبض عليه حيا .
ومن تم أعدم غيفارا بالقرب من قرية جبلية جنوب
العاصمة لاباز,ووصفه رفيق دربه بوريغوبأنه "شخصية صريحة وصارمة وقاسية
ولكنها محبة للناس ,حمل كل صفات المناضل والمثقف والثوري ,وكان أبعد ما
يكون عن التطرف والانتهازية ,ويكره المناصب والمال "ومن أطرف ما حكي عنه أنه لم يكن يغير قميصه إلا مرة في الأسبوع وكانت رائحته نتنة ويجيد لعبة الشطرنج ونال شهادة تخول له العمل كطبيب.
ومن خلال هذه
النبذة المختصرة يتضح أن الإيمان بقضية معينة كيفما كانت سواء كانت عادلة
أوجائرة ,ستغطي على كل متع الحياة وتجعلها من دون قيمة بل عوائق تحول دون
تحقيق الهدف الأسمى الذي يتمثل في القضية التي يمكن أن تتعدى حدود الوطن والمصلحة الشخصية .
إرسال تعليق