قراءنا الأفاضل يسرني في هذا المقال أن أتقاسم معكم رؤيا جديدة تتمحور حول نظرتنا للتاريخ نفسه. جميعنا يعلم أن كتب التاريخ لا تقدم لنا صورة واقعية للأحداث والشخصيات، بل الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تصور نسبي للمؤرخ نفسه تبعا لخلفيته الثقافية ومعتقداته الدينية، فالمؤرخ المسلم مثلا لا بد أن تكون تفسيراته للأحداث ممتزجة بإيمانه بالله تعالى وأن الأحداث تسير وفق الإرادة الإلهية، أما الملحد فلا عجب أن ينسب الأمور للصدفة وإرادة القوة والصراع من أجل البقاء.
معضلة التاريخ |
ومع ذلك، فالأمر ليس مستحيلًا. فكما هو الحال مع كافة الأحداث التاريخية، الخيط الرفيع الذي يجب تتبعه يوجد بين الجوانب الغامضة والمعروفة بالماضي. فإذا عدنا إلى ستينيات القرن العشرين فسنجد أن المؤرخ الفرنسي فيليب آريس زعم أن المفاهيم العصرية للطفولة والمشاعر الأسرية لم تكن موجودة في فترة العصور الوسطى. فمن خلال فحص المفردات والصور العائلية والدُّمى والملابس والأنماط التعليمية، استنتج آريس أنه في ظل الارتفاع الهائل في معدلات وَفَيَات حديثي الولادة لم تكن مشاعر الآباء والأمهات في أواخر العصور الوسطى مشابهة لمشاعرنا، بل اعتادوا الشعور باللامبالاة تجاه موت أبنائهم؛ لأن أبناءهم ,مات منهم الكثير. وزعم آريس أن تلك اللامبالاة ,كانت نتيجة مباشرة وحتمية لديموغرافية هذه الفترة، وأننا يجب ألا نندهش من أي شيء متعلق بقسوة المشاعر هذه … فهذا كان أمرا طبيعيا فحسب في ظروف المجتمع في ذلك الوقت.
ويمكن أن نلمس الأمر نفسه عند الإسبرطيين (نسبة إلى إسبارطة إحدى مقاطعات اليونان القديمة ), حيث أكد المؤرخون أن الآباء كانوا يدفعون أولادهم للعيش في ظروف قاسية قد تصل إلى ترك أطفال في 12 من عمرهم وحدهم في غابة مليئة بالذئاب لأنهم ببساطة أرادوا من أولادهم أن يكونوا جديرين بالبقاء على قيد الحياة . ربما هذا التصرف يمكن أن ينظر إليه في عصرنا الحالي باستهجان ورفض تام ,لكن في تلك الحقبة حيث كان الناس مهددون على الدوام بالهجمات المباغتة , فإن هذا الأمر يمكن أن يعتبر تصرفا ينم عن الشجاعة ورباطة الجأش.
من هذا كله يمكن أن نستنتج أن الذاتية سمة لصيقة بالجنس البشري وأننا دائما نسعى إلى تفسير سلوكيات الآخرين انطلاقا من خلفياتنا الثقافية والدينية وكذلك من خلال مشاعرنا وقيمنا التي تربينا عليها ,فتذكر أخي القارئ أنك عندما تقيم سلوك شخص محدد أو تصف حدثا معينا فإنك في الحقيقة تسقط جزءا من ذاتك على موضوع الوصف
إرسال تعليق