دور السؤال في درس الاجتماعيات
بتحية الإسلام نحيي كل متابعي مدونة محيط المعرفة.
موضوعنا لهذا اليوم سنخصصه خصوصا لأساتذة مادة الاجتماعيات ويتعلق بدور السؤال في درس الاجتماعيات وسنأخذ درس التاريخ نموذجا.
دور السؤال في درس الاجتماعيات |
أهمية السؤال
من المبررات التي تقود كل مهتم بالتدريس إلى الاهتمام بموضوع السؤال أكاديميا وبيداغوجيا ما يلي:
- اعتبار السؤال جزء من لوازم العملية التعليمية التعلمية التي يشتغل عليها المدرس. فهي تدخل في إطار منهجية التدريس.
- كون الأهداف المرتبطة بتدريس الاجتماعيات بصفة عامة والمرتبطة بتدريس التاريخ بصفة خاصة تهدف، من جملة ما تهدف إليه، إلى تزويد المتعلم بأدوات للحصول على المعرفة وإمكانية التعلم الذاتي في أفق عملية تعليمية تعلمية تقوم على الإنجاز المتراكم وليس على الإعادة والتكرار. فالتربية الحديثة تحث على تعليم التلميذ كيف يتعلم.
من أجل عقلنة هذه الأدوات وعقلنة استعمالها يجب ربط السؤال بها وبجميع مكونات العلمية التعليمية التعلمية من أهداف ووضعية انطلاق ومحتوى ووسائل وتقويم.
مفهوم السؤال
السؤال من أقدم الفنون البيداغوجية وقد اشتهر باستعماله على الخصوص الفيلسوف اليوناني سقراط، وتعرف هذه الطريقة السقراطية بـ "المايوتيقا" أي توليد الأفكار.
أما في عصرنا الحاضر فالأسئلة لا تستعمل لأغراض فلسفية صرفة، بل كذلك كأداة تساعد المدرس على معرفة مدى فهم التلاميذ للمعلومات من جهة، وعلى إثارة تفكيرهم وتنمية قدراتهم على الابتكار من جهة أخرى. فجواب التلميذ هو بمثابة رد فعل بالنسبة لسؤال الأستاذ. وتتم بواسطته حلقة التواصل التي تقوم عليها كل عملية تربوية، إذ أن الجواب يفصح عما هضمه التلميذ من العروض والشروح التي سمعها أو شارك في بنائها.
الإشكالية
يهدف درس التاريخ إلى تحقيق أهداف مرتبطة بالفكر التاريخي وأخرى بيداغوجية مرورا باستراتيجية تعليمية محددة تعتمد على مجموعة من الأدوات من بينها السؤال كوسيلة تعليمية تعلمية.
فكيف يمكن توظيف السؤال في درس التاريخ؟ويمكن تفريع هذا التساؤل إلى أسئلة فرعية:
- ما هي مكانة السؤال في العملية التربوية عامة وفي درس التاريخ خاصة؟
- ما هي معايير استعمال السؤال؟
مكانة السؤال في العملية التربوية - نموذج درس التاريخ
للسؤال مكانته في جميع مراحل العملية التعليمية التعلمية منذ تحديد المقاصد البيداغوجية حتى اتخاذ القرار، مرورا باختيار الاستراتيجية المناسبة أو الخطة الأكثر ملاءمة في عملية التعليم والتعلم.
فإذا حللنا العملية التربوية يمكن تحديد ثلاث مراحل:
علاقة السؤال بالأهداف: نموذج درس التاريخ
يهدف درس التاريخ إلى تحقيق مهارات متنوعة لدى المتعلم نذكر منها:
أ- مهارات مرتبطة بطبيعة الفكر التاريخي
إن موضوع التاريخ هو الزمن من نظرة دياكرونية يحاول المؤرخ من خلالها رؤية التطور والاستمرارية. من هنا فإن تدريس التاريخ باستعمال وسائل مختلفة يساهم في إكساب المتعلم مجموعة من المهارات المرتبطة بالفكر التاريخي نذكر منها:
- الاقتراب من الطريقة الاستقرائية والابتعاد عن اللفظية وإعطاء فكرة عن الأعمال التي ينجز بها عمل المؤرخ.
- تعلم التلاميذ الحكم على الماضي انطلاقا من الوضعيات والعقليات الخاصة بالحقبة التاريخية وليس انطلاقا من الأوضاع الحالية (مفهوم النسبية) أي عدم إسقاط الحاضر على الماضي.
- اكتساب الروح النقدية والحس التاريخي عن طريق تحليل ومقارنة النصوص ومناقشتها.
- التدرب على تنويع الشهادات من أجل التريث في إصدار الأحكام.
ب- مهارات بيداغوجية
- القدرة على الملاحظة والتحليل.
- القدرة على الاستنتاج.
- القدرة على الفهم.
- القدرة على الابتكار والتخيل.
ج- حسب التوجيهات التربوية لسنة 1987
سطرت التوجيهات التربوية أهدافا عامة لتدريس الاجتماعيات كما سطرت أهدافا مرحلية حسب المستويات الدراسية مبررة ذلك بمراعاتها لمراحل النمو ولمبدأ التدرج مما يمكن من خلق تراكم من المعارف والمهارات والمواقف بكيفية مرحلية لدى التلميذ. وتشير التوجيهات إلى أنه رغم التكامل بين مواد الاجتماعيات فإن ذلك لا ينفي خصوصيات كل مادة من حيث المضامين والأهداف.
وبالنسبة لمادة التاريخ تتوخى هذه التوجيهات:
- تمكين المتعلم من إدراك مفهوم الزمن والارتقاء إلى مستوى التجريد.
- ترتيب الأحداث ترتيبا سببيا وذلك عبر التمييز بين مختلف الفترات الزمنية وإدراك العلاقات السببية وتوعية بأهمية الماضي في فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل، حتى يتمكن من حل المشاكل التي تواجهه، ويتعود على التعامل مع الوثائق التاريخية لتنمية حسه التاريخي، إضافة إلى أهداف بيداغوجية معرفية، تكوينية أو على مستوى المواقف والاتجاهات.
استنتاج
في علاقة السؤال بالأهداف -بالنسبة لدرس التاريخ- يجب أن نميز بين أهداف مشتقة من المنطق الداخلي للمادة (الفكر التاريخي أو المنهجية التاريخية) وبين أهداف بيداغوجية عبارة عن عمليات عقلية مجردة ومتداخلة (من فهم وتركيب وتحليل وتقويم). وهذا التمييز يتقاطع فيه خطاب الأدبيات التربوية مع خطاب التوجيهات التربوية لسنة 1987.
علاقة السؤال بالاستراتيجية التدريسية
نقصد بالاستراتيجية التدريسية بعد الأهداف: الطريقة والوسائل والمفاهيم، وسنقتصر على متغير الطريقة مركزين على نموذج الطريقة الحوارية وبالضبط على شكلين رئيسيين في الحوار الذي يدور داخل الفصل:
- الشكل الأول: يلعب فيه المدرس الدور البارز فأثناء العرض التلقيني يلقي الأستاذ سؤالا بين الفينة والأخرى على هذا التلميذ أو ذلك، ففي هذا الحوار يكون المدرس هو المرسل والمتلقي الأكثر أهمية، وناذرا ما تأتي أسئلة تلقائية من التلاميذ.
- الشكل الثاني: يلعب فيه الأستاذ دور المنشط ويسهل التفاعل والمشاركة التلقائية، فهو وسيط ومنسق للمناقشة وانتقال المعلومات من تلميذ لآخر.
ويشترط أن يكون المدرس قادرا على تسيير الفصل بطريقة منظمة حتى لا يسقط في التنشيط الحدسي والمرتجل.
استنتاج
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الأسئلة وسيلة لإثارة انتباه التلميذ إلى أهم المعلومات الواردة في مختلف الوسائل التعليمية سواء التي يحتوي عليها الكتاب المدرسي أو التي ينجزها المدرس مسبقا من أجل تسهيل التعامل معها. إذ أنه كما للسؤال علاقة بالأهداف فله كذلك علاقة وطيدة باستراتيجية التدريس من محتوى ووسائل تعليمية وطرائق تدريسية في إطار علائقي تفاعلي.
ويستحسن ربط الأسئلة المتدرجة بوثيقة أو بوسيلة تعليمية قصد تجاوز العرض التلقيني وقصد تجاوز التنشيط الحدسي والمرتجل. إضافة إلى ضرورة ملاءمة المضامين للطرائق والوسائل المختارة مع مراعاة النهجين: التاريخي والبيداغوجي.
علاقة السؤال بالتقويم
المدرس يجد نفسه أمام أمرين:
أ- تقويم التلميذ
تقويم يهتم بقياس الآثار المرتبطة بتدخل العملية التعليمية في شكل معارف وفي شكل مهارات ناتجة عن تدخل عملية التعليم. إلا أن هذا النوع من التقييم يقيس أيضا الحصيلة التي يتوفر عليها التلميذ خارج المدرسة، وقد يكون مرحليا أو نهائيا.
ب- تقويم الاستراتيجية
يسعى التقويم هنا إلى البحث عن مدى ملاءمة الطريقة، مدى صلاحية الأهداف، مدى ملاءمة المحتوى أو المضمون، وهذا النوع يبين النتائج المرتبطة فقط بالتدخل المباشر لعملية التدريس فهو يرشدنا من جهة إلى أمور تتعلق بالتلميذ كطرف في العملية التربوية، وإلى معلومات تأخذ بعين الاعتبار كل التغيرات الأخرى التي تدخل كطرف ثان في عملية التعلم.
استنتاج
سواء بالنسبة لتقويم عمل التلميذ أو بالنسبة لتقويم الاستراتيجية التعليمية يعتبر السؤال وسيلة قياس أساسية وبالتالي يستحسن قبل صياغة السؤال تحديد نوع السلوك بكيفية إجرائية وكذا المضمون الذي يتعلق بهذا السلوك. فإذا أعطي الدرس بنسبة 80% في وضعية تعليم و20% من الوقت عن طريق التعامل مع الوثائق بحيث أثيرت عملية الفهم والتحليل، وكان مجموع الأسئلة الذي ينوي المدرس طرحها 10 بنود. إذن 80% من هذه البنود يجب أن يخصص لعنصر المعرفة و20% فقط يخصص للفهم والتحليل، ونكون هنا في صدق الامتحان: أي تطابق الأسئلة والأهداف.
ومن المؤشرات الأخرى التي يجب أن يتوفر عليها السؤال - حسب مختلف الأدبيات التربوية - مؤشر الصعوبة: أي أن يكون السؤال في مستوى من الصعوبة يتوافق مع التوزيع العادي لمنحنى caust.
إضافة إلى مؤشر التمييز ومؤشر الثبات: أي توفر السؤال على ضمانة أنه إذا أعيد على نفس التلاميذ يعطي نفس النتائج وإذا صحح من طرف أكثر من أستاذ يعطي نفس النتائج أو نتائج المراقبة.
معايير استعمال السؤال
أن يكون السؤال إجرائيا
ربطت الدراسات التربوية المختلفة نجاح العملية التعليمية بتسطير وتنفيذ الأهداف الإجرائية التي يجب أن تركز على الأهداف العامة للبرنامج الدراسي وعلى المحتوى والطريقة والوسائل التعليمية المعتمدة ثم التقويم للتأكد من مدى تحقق الأهداف.
أما على مستوى الصياغة الإجرائية للأهداف فيجب أن تحدد بدقة الفعل السلوكي والشروط التعليمية والمعيار المقبول في الجوانب المعرفية والمهارية والاتجاهات لدى التلاميذ انطلاقا من ظروف التلاميذ وقابلياتهم ومن شروط العمل داخل الفصل.
تنويع الأسئلة
الأسئلة بالنسبة لدرس التاريخ تنقسم إلى أنواع منها:
- أسئلة تتوخى ذكر أحداث ووقائع تاريخية لا تدخل فيها الاعتبارات والآراء الشخصية.
- أسئلة تتوخى حل إشكال مطروح وتكون هذه الأسئلة مرتبة ترتيبا حسب الخطوات المؤدية إلى الجواب النهائي.
- أسئلة متشبعة ومتفرعة تنطلق من فكرة رئيسية أو مبدأ عام قصد الوصول إلى استنتاجات فرعية أو تطبيقا لبعض المفاهيم.
- أسئلة تقييمية: يطلب الأستاذ بواسطتها من التلاميذ الإدلاء بآرائهم الشخصية أو إصدار أحكام على ظاهرة ما.
- أسئلة استكشافية: تهدف إلى مساعدة التلاميذ على التأمل في أجوبتهم واستقصاء بعض جوانبها.
خلاصة واقتراحات
- للسؤال علاقة وطيدة بمنهجية التدريس فهو أداة من الأدوات التي يشتغل عليها المدرس، ويستعمل لأغراض بيداغوجية مختلفة.
- في علاقة السؤال بأهداف درس التاريخ يجب أن نميز بين أهداف النهج التاريخي وأهداف النهج البيداغوجي.
- بالنسبة لاستراتيجية التدريس يرتبط السؤال بالطريقة وبالمضمون وبالوسيلة فيشكل علاقات تفاعلية، وليس من زوايا أحادية.
- بالنسبة لعلاقة السؤال بالتقويم نميز بين تقويم التلميذ وتقويم الاستراتيجية التعليمية مع مراعاة مجموعة من المؤشرات التي تحدد قيمة السؤال كمؤشر الصدق ومؤشر الثبات ومؤشر الصعوبة.
- أثناء وضع السؤال يجب أن يكون إجرائيا كما يجب أن نراعي طابع التنويع في اختيار الأسئلة.
- يستحسن أثناء عملية التدريس:
- تحسيس التلاميذ بإشكالية الدرس.
- تنمية الفكر النقدي عند التلاميذ.
- تنمية قدرتهم على التعبير عن أفكارهم بوضوح.
- تدريب التلميذ على الانضباط واحترام وجهة نظر الغير.
وبهذا نكون قد وصلنا لنهاية موضوعنا الذي خصصناه للتطرق إلى دور السؤال في درس الاجتماعيات، وإلى لقاء آخر مع موضوع جديد على مدونتكم محيط المعرفة.
موضوع ممتاز و شرح مستفيض
ردحذفشكرا لكم على الافادة التي تقدمونها لنا
ونتمنى لكم الاستمرارية لاننا فعلا نفتقر الى مواقع كتابها متخصصين مثقفين
العفو أخي هذا واجبنا وبدورنا نشكركم على مروركم العطر
ردحذفمع كامل تحياتنا الودية
دور السؤال جد مهم في العملية التعليمية، شكرا لكم
ردحذفإرسال تعليق