محبي مدونة محيط المعرفة الأوفياء، لا زلنا لم نبرح حقبة العصور الوسطى وأبرز فلاسفتها, وكما هو معروف فهذه الفترة الزمنية حقبة عصيبة وحرجة في التاريخ الأوربي، التي امتّدت من القرن 5 حتّى القرن 15الميلادي. بدأت هذه الفترة، بانهيار الإمبراطورية الرومانية، على يد البرابرة من جرمان، وقوط، ولومبرديين، الذين استوطنوا جوانب الإمبراطورية الرومانية، وعملوا على تمزيقها. أما الفَترة المتأخرة من العصور الوسطى فقد اتّسمت باستفحال الكوارث، والمجاعات والحروب والطاعون، الذي كان يسمى حينها بالموت الأسود، حيث تمكن هذا الوباء القاتل من إفناء ثلث سكان أروبا في الفترة ما بين1341 –1350 . بالإضافة إلى انتشار الهرطقة والشقاق، داخل الكنيسة وثورة الفلاحين على الإقطاع والنبلاء. في هذا البحر المائج من الكوارث والصراعات والأوبئة والصراع الدائر بين القياصرة الذين حكموا أجساد المواطنين، ورجال الكنيسة الذين سلبوا العقول والقلوب. أصبحت الفلسفة ضرورة ملحة لمعالجة المشاكل اللاهوتية والعقدية داخل الكنيسة. كما أصبحت سلاحا فتاكا استعمله رجال الكنيسة والنخبة المثقفة لمجابهة المد العلماني الذي بدأ يفرض نفسه على الساحة الفكرية والسياسية.
تسلسل فلاسفة العصور الوسطى 2 |
الفيلسوف توما الإكويني:
يعتبر توما الإكويني الذي عاش ما بين 1225_ 1274. ذو الأصل الإيطالي، من أكثر القساوسة الكاثوليك شهرة درس اللاهوت وتعمق في الفلسفة. اشتهر بلقب العالم الملائكي وآخرون نعتوه بالعالم المحيط نظرا لسعة علمه واطلاعه. درس اعمال كل من أرسطو وابن رشد وموسى بن ميمون، تميزت فلسفته بحفظ الاعتبار لكل من الفلسفة واللاهوت، فالفلسفة تعتمد على العقل وحده أما اللاهوت فيستمد قوته من الوحي دون أن ينكر دور العقل، وبهذه الطريقة استطاع توما أن يقرب بين ما هو فلسفي وما هو ديني حيث اعتبر أن العقل يستمد كل معلوماته الطبيعية من الحواس، كما اعتبر معرفته المباشرة للأشياء الخارجة عنه مقصورة على الأجسام، أي على عالم الحس والمحسوس، وليس بمقدوره أن يعرف بطريق مباشر العالم ما فوق المحسوس أو عالم ما وراء الطبيعة.كما قال توما الإكويني بأن الله موجود بالحقيقة، وهو الكائن المكون لجميع الكائنات، وعلتها التي تستند إليها، وكل الكائنات الأخرى موجودة بالتصور لا غير، وأن كل الكائنات المخلوقة فاعلة ومنفعلة معاً، أي أنها تفعل وتنفعل والله وحده هو المنزه عن هذه الإمكانية، فهو لا ينفعل ولا يتبدل، وهو نشاط خالص، وحقيقة خالصة؛ وهو من بادئ الأمر كل شيء يمكن أن يكونه.
الفيلسوف بويتيوس
ولد حوالي 480 في روما، ونفذ فيه حكم الاعدام عام 524 في بافيا على يد القيصر الروماني ثيودوريك العظيم، بسبب آرائه الفلسفية والسياسية. ومن أشهر مؤلفاته "تعزية في الفلسفة" والتي تجسدت فيه الأفلاطونية الجديدة . وكان له الفضل في إرساء المنطق الأرسطي في الغرب ومصدرا رئيسيا للفلسفة في القرون الوسطى.ويمكن وصف الأفلاطونية الجديدة بالسعي وراء الحكمة والحب في الله. كما يمكن اعتبارها المصدر الحقيقي للسعادة. عاصربوتيوس كلا من كاسيودوروس وكلوفيس الأول.
الفيلسوف دونس سكوتوس:
عاش دونس سكوتوس في الفترة ما بين 1266-1308 و يعتبر واحدا من الفلاسفة الأكثر تأثيرا في العصور الوسطى المتأخرة حيث كان له عظيم التأثير على اتجاه الكنيسة الكاثوليكية والفكر العلماني أنذاك, وانطلقت فلسفته من كون أن الوجود هو المفهوم الأكثر تجريدية بالنسبة إلينا، وهذه التجريدية تنطبق على كل شيء موجود. فهناك دائما وسيلة للتمييز بين جوانب مختلفة في الشيء نفسه. بحجة أن الأمور لها طبيعة مشتركة, على سبيل المثال الطبيعة المشتركة بين سقراط وأفلاطون وبلوتارخ هي الطبيعة الإنسانية. كما وضعت فلسفة سكوتس حجة معقدة لوجود الله،ويحسب له دفاعه عن قضية حمل العذراء مريم التي نسبت لها تهمة الزنى.الفيلسوف مايستر ايكارت:
يعتبر الفيلسوف والمفكر الألماني مايستر ايكارت المولود عام 1260 أحد أعظم المتصوفة المسيحيين. شغل عدة مناصب رفيعة في النظام الألماني. كما درس إيكهارت اللاهوت في جامعتي باريس وكولونيا. وفي سنة 1326 اتهم إيكهارت رسميا بالزندقة من قبل رئيس أساقفة كولونيا، بسبب اعتقاده بفكرة وحدة الوجود التي تنص على أن الله لانهائي فهو في كل مكان واكتمال كل مكان. الله موجود في الجزء الأعمق من كل شيء. فالله تجزء في الكون الذي خلقه فلا وجود لله خارج كونه. فالخالق والمخلوق وحدة متكاملة.الفيلسوف جون ويكليف:
جون ويكليف (1328-1384)، ثيولوجي ومترجم ومصلح مسيحي إنجليزي. عمل مستشاراً لاهوتياً لملك إنجلترا، هاجم سلطة البابا المطلقة، ومبدأ الاستحالة الجوهرية في الافخارستيا(تذكير بالعشاء الذي تناوله يسوع بصحبة تلاميذه عشيّة صلبه كما يزعمون). أعظم إسهاماته كانت ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية الدارجة.مما جعل الكنيسة تثور عليه بسبب ذلك ومنعت نشر الكتاب لاحقاً. آمن ويكليف بأن سلطة الكتاب المقدس تفوق كل سلطة أخرى. بعد موته أدين بالهرطقة، وأحرقت كتبه بل وحتى عظامه أخرجت من القبر وأحرقت بأمر من البابا. وتكمن أهمية ويكليف في أنه يعتبر مع جون هس أبرز المصلحين قبل الإصلاح البروتستانتي.الفيلسوف مارسيليوس من بادوا
مارسيليوس من بادوا عاش ما بين( 1275 - 1342) طبيب وباحث إيطالي مارس العديد من المهن كما كان شخصية مؤثرة في سياسة القرن الرابع عشر. تعد أطروحته السياسية ديفنسور باسيس أو حامي السلام من قبل البعض الأطروحة السياسية الأكثر ثورية في العصور الوسطى.-كان مارسيليوس من بادوا مدرسا للفلسفة في جامعة باريس حوالي سنة ١٣١١ م ، الأمر الذي يعني أنه بدأ التدريس في سن مبكّرة جداً وسرعان ما أصبح رئيس الجامعة بعد سنتين . ولعل أهم أعماله كتابه الذي يناقش فيه سلطة البابا الزمنية . وكان ذلك موضوعاً شائكاً طوال سنين عديدة في القرون الوسطى ..
الفيلسوف وليام من اوكام
وليام من اوكام (1284 - 1347م). فيلسوف وعالمُ لاهوت إنجليزي. أدَّت مواقفه تجاه المعرفة والمنطق والاستقصاء العلمي دورا رئيسيا في الانتقال من فكر القرون الوسطى إلى الفكر الحديث.كان وليام يرى بأن الشكل الأوّلي للمعرفة نتج عن الخبرة المكتسبة عن طريق الحواس. كما بنى المعرفة العلمية على مثل هذه الخبرات، وعلى الحقائق الذاتية، وعلى الافتراضات المنطقية الناجمة عن هذين المصدرين.
تقوم نظريته على نفي وجود «الكليات» المجردة، واستبعد مشكلة الكليات عن مذهبه لكونها مجرد علاقات لغوية لا تستند إلى الحس والتجربة، وأعطى القيمة في منطقه للأفراد (الأشياء المشخصة). ورأى بأنه لا يمكن البرهان بالمنطق وحده على أي قضية تؤكد وجود كيانات غير الأفراد، أو «الجزئيات». والتعرف على الأفراد لا يتم إلا بالتجربة. وقد ترتبت على هذه الأفكار قضية إخراج اللاهوت من دائرة العقل. لأن العقائد الدينية لا يمكن إخضاعها للبرهان والتجربة، ولو كانت كذلك لآمن بها الكافر والوثني، وهما يتمتعان بذكاء لا يقل عن ذكاء النصارى. وقد بين أوكام أن اللاهوت قائم على الوحي وما قاله آباء الكنيسة، ولا مجال فيه إلا للتسليم.
للاطلاع على باقي فلاسفة العصور السابقة إليكم الروابط التالية:
المراجع: فلسفة العصور الوسطى لعبد الرحمن بدوي
دراسات في فلسفة العصور الوسطى لماهر محمد علي
إرسال تعليق