خصص "ناثانيل براندن" الكثير من صفحات كتابه لتوضيح الاختلاف بين سلوكيات الإنسان وسلوكيات الحيوان، حيث أوضح أنه رغم أن الحيوانات قد يكون لديها نوع من أنواع الوعي، فإن البشر وحدهم من يحتاجون لإطار تصوري يرون أنفسهم من خلاله. فالحيوانات تستطيع أن تدرك الأشياء الخضراء اللون، ولكن الإنسان فقط هو من لديه تصور عن معنى اللون "الأخضر"، وتستطيع الكلاب التعرف على الأفراد، ولكن الإنسان فقط هو من لديه تصور لفكرة "الإنسانية". وهو الوحيد من يتساءل عن معنى الحياة، وهذه العملية التصورية ليست عملية آلية، لذلك فالتفكير مسألة اختيار.
علم نفس تقدير الذات ل"ناثانيل براندن" |
البشر مخلوقات ذات تصور
ويفند دي "براندن" مبادئ مدرستين من مدارس علم النفس كانت لهما السيادة وقت تأليفه لكتابه، وهما مدرسة "فرويد" للتحليل النفسي التي تعتبر الإنسان مجرد دمية تحركها الغرائز، والمدرسة السلوكية التي تعتبر الإنسان آلة تعمل بدافع المثير والاستجابة، وكان يرى أن كلتا المدرستين لا تأخذان في اعتبارهما عقل الإنسان التصوري القوي الذي يمنحه الوعي بذاته. والقدرة على الاستدلال ويقول أيضا أن المعدة والرئتين، والقلب عمل آلي لا دخل للوعي فيه، أما عمل عقله فليس كذلك، فالبشر لديهم القدرة على تشكيل وعيهم، وتنظيمه لتحقيق أهدافهم.الإنسان مخلوق ليفكر، ولا بد أن يجعله هذا التفكير يقدر ذاته تقديرا كبيرا، أما إذا غيب وعيه أو كان وعيه سلبيا وخائفا فإنه يقتل هذه الملكة لديه بالتدريج وتكون النتيجة أن يكره نفسه، إن قبول الإنسان لذاته وحبه لها يستلزم منه أن يحتفي بقدرته على التفكير. إنه من المستحيل بمكان أن نجمع بين السعادة وغياب العقلانية، فإذا دققنا النظر سنجد أن من يتمتع بالسيطرة هو من يعيش وفقا لمبادئ العقل.
الانفعالات وتقدير الذات
إننا ننظر للسعادة باعتبارها انفعالا، ولكن السعادة تنبع من قيمنا التي اخترناها عن وعي وطورناها، حيث نشعر بالسعادة عندما نحقق ما نعتبره أهم الأشياء في حياتنا. وعندما ننكر تلك القيم أو نضعفها، فإننا نعاني. ويلاحظ "براون" أن القلق يحدث غالبا عندما لا نفكر في المشكلة كما ينبغي، لأن عدم التفكير بعقلانية يجعل المرء غير متوافق مع الواقع.ومن المعروف أن الألم البدني يستهدف الحفاظ على حياة الجسم، ويقول براندن إن الألم النفسي أيضا يخدم هدفا بيولوجيا، فنحن عندما نشعر بالقلق، أو الذنب، أو الاكتئاب، فإن هذا ناقوس خطر يبين لنا بأن وعينا في حالة غير صحية. وتصحيح هذا يستلزم تقييم ما لدينا من قيم، وربما يتطلب منا ذلك تكوين قيم جديدة، وعلى النقيض عندما نتخلى عن العقل لصالح الانفعالات، فإننا نفقد الثقة في قدرتنا على الحكم على الأشياء.
وعلى النقيض فالشخص الذي يعيش حياة ليست حياته حقا، حيث يفي بتوقعات الآخرين منه، ويتوافق مع الظروف وقيم الآخرين، ويريد أن يراه الآخرين طبيعيا مهما كلفه ذلك، ويرتاع إذا رفضه الناس، ويطلق براندن على أمثال هؤلاء "الميتافيزيقيين الاجتماعيين"، لأن فلسفة حياتهم تدور حول الآخرين وليست حول أنفسهم. ويطلق هؤلاء على أسلوبهم في الحياة اسم "الأسلوب العملي"، كما لو كانت التضحية بالذات شيء عقلانيا جدا. ومع ذلك، فإن كل خطوة على ذلك الطريق تبعد المرء عن كل ما هو واقعي وتقربه من فقدان ذاته الحقيقية.
خلاصة:
يحرر "براندن" قارئ كتابه من فكرة أن تقدير الذات "ظاهرة شعور بالرضى" تنبع من رضى الآخرين، ويوضح أنها حاجة عميقة لدى البشر لا يمكن للأساليب الضحلة أن تشبعها. ولا بد لتقدير الذات أن ينبع من داخل الفرد، وهذا التقدير أشبه بالعضلة من حيث أنه يزداد قوة كلما زادت تنميته. وكلما زادت القرارات التي نتخذها عن قناعة زاد شعورنا الطبيعي بالرضى. وكلما زادت مبرراتنا حول ما ينبغي أن نفعله لنرضي الآخرين فإن ثقتنا بأنفسنا تتبخر ببطء.
The psychology of self-esteem"" للكاتب Nathaniel Branden
إرسال تعليق